الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.الخبر عن خروج الدعي ورجوعه واستيلاء السلطان أبي حفص على ملكه وغلبه ومهلكه. لما ظهر السلطان أبو حفص وبايعه العرب تسامح به أهل الحضرة واجتمع إليه الناس وأوقع الدعي بأهل الدولة فمقتوه وخرج من تونس يريد قتاله فأرجف به أهل العسكر ورجع منهزما ودخلت البلاد في طاعة السلطان أبي حفص ونهض إلى تونس فنزل بسحوم قريبا منها وعسكر الدعي بظاهر البلد تجاهه وطالت بينهما الحرب أياما والناس كل يوم يستوضحون خبء الدعي ومكره إلى أن تبرؤا منه وأسلموه ورحل من مكان معسكره ولاذ بالاختفاء ودخل السلطان البلد في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة واستولى على سرير ملكه وطهر من الدنس قاصية ودانية واختفى الدعي بتونس وغاص في لجة ساكنيها وأحاط به البحث فعثر عليه لليال من مدخل السلطان بدور بعض السوقة يعرف بأبي قاسم القرمادي فهدمت لحينها وثل إلى السلطان فأحضر له الملأ ووبخه وساءله فاعترف بادعائه في نسبهم فأمر بامتحانه وقتله وذهب في غير سبيل مرحمة وطيف بشلوه ونصب رأسه وكان عبد الله بن يغمور المباشر لقتله وكان خبره من المئلات واستبد السلطان بملكه وتلقب المستنصر بالله وبادر الناس إلى الدخول في طاعته وبعث أهل القاصية ببيعتهم من طرابلس وتلمسان وما بينهما وعقد للشيخ أبي عبد الله الفازازي على عساكره على الحروب والضاحية وأقطع البلاد والمغارم للعرب رعيا لذمة قيامهم بأمره ولم يكن لهم قبلها أقطاع وكان الخلفاء قبله يتحامون عن ذلك لا يفتحون فيه على أنفسهم بابا وأقام متمتعا في ماله وفي حضرته إلى أن كان ما نذكر إن شاء الله تعالى..الخبر عن استيلاء العدو على جزيرة جربة وميورقة ومنازلته المهدية وإجلابه على السواحل. كان من أعظم الحوادث تكالب العدو في أيام هذا السلطان على الجزر البحرية فاستولت أساطيلهم على جزيرة جربة في رجب من سنة ثمان وثمانين وستمائة ورياستها يومئذ من محمد بن مهو بن شيخ الوهبية ويخلف ابن امغار شيخ النكازة وهما فرقتا الخوارج وزحف إليها المراكيا صاحب صقلية نائبا عن الغدريك بن الريداكون ملك برشلونة في أساطيله البحرية وكانوا فيما قيل سبعين أسطولا من غربان وشواني وضايقهم مرارا ثم تغلبوا عليها فانتهبوا أموالها وحملوا أهلها أسرا وسبيا فقيل إنهم بلغوا ثمانية آلاف بعد أن رموا بالرضع في الجبوب فكانت هذه الواقعة من أشجى الوقائع للمسلمين ثم بنوا بساحلها حصنا واعتمروه وشحنوه حامية وسلاحا وفرض عليهم المغرم مائة ألف دينار كل سنة وأقام على ذلك المراكيا إلى رأس المائة وبقيت الجزيرة في ملك النصارى إلى أن عادوا إلى مالقة أواخر الأربعين والسبعمائة كما نذكره.وفي سنة خمس وثمانين وستمائة ظفر العدو بجزيرة ميورقة ركب إليها طاغية برشلونة أساطيله في عشرين ألفا من الرجال المقاتلة ومروا بميورقة كأنهم سفر من التجار وطلبوا من أبي عمر بن حكم ورئيسها النزول للاستسقاء فأذن لهم فلما تساحلوا آذنوا أهلها بالحرب فتزاحموا ثلاثا يثخن فيهم المسلمون في كلها قتلا وجراحة بما يناهز آلافا والطاغية في بطارقته قاعد عن الزحف فلما كان اليوم الثالث واستولت الهزيمة على قومه زحف الطاغية في العسكر فانهزم المسلمون ولجوءا إلى قلعتهم فانحصروا بكعابها وعقدوا لابن حكم ذمة في أهده وحاشيته فخرجوا إلى سبتة ونزل الباقون على حكم العدو وسار إلى ميورقة واستولى على ما فيها من الذخيرة والعدة والأمر بيد الله وحده.وفي سنة ست وثمانين وستمائة بعدها غدر النصارى بمرسى الخزور فاقتحموها بعد أن ثلموا أسوارها واكتسحوا ما فيها واحتملوا أهلها أسرى وأضرموا بيوتها نارا ثم مروا بمرسى تونس وانصرفوا إلى بلادهم وفيها أو في سنة تسع وثمانين وستمائة بعدها نازل أسطول العدو مدينة المهدية وكان فيها الفرسان لقتالها فزحفوا إليها ثلاثا ظفر بهم المسلمون في كلها ثم جاء مدد أهل الأجم فانهزم العدو حتى اقتحموا عليهم الأسطول وانقلبوا خائبين وتمت النعمة..الخبر عن استيلاء الأمير أبي بكر زكريا على الثغر المغربي بجاية والجزائر وقسنطينة وأولية ذلك ومصايره. كان للأمير أبي بكر زكريا ابن السلطان من الترشيح للأمل بهديه وشرف همته وحسن ملكته ومخالطته أهلا لعلم ما يشهد له بحسن حاله وهو الذي اختط المدرسة للعلم بأزاء دار الأقوري حيث كان سكناه بتونس ولما لحق بتلمسان بعد منجاته من مهلك أبيه ببجاية نزل على صهره عثمان بن يغمراسن بتلمسان وجاء في أثره أبو الحسن بن أبي بكر بن سيد الناس صنيعة أبيه وأخيه بعد أن خلص مع السلطان أبي حفص من الواقعة إلى مرماجنة فلما بايع له العرب وبدت مخايل الملك رأى أبو الحسن إيثار السلطان للفازازي عليهم فنكب عنه ولحق بالأمير أبي زكريا بتلمسان واستحثه لطلب ملكه واستقرض من تجار بجاية مالا أنفقه في إقامة أبهة الملك له وجمع الرجال واصطنع الأولياء.وفشا الخبر بما يرومه من ذلك فصده عثمان بن يغمراسن عنه بما كان تقلد من طاعة السلطان أبي حفص على سننهم من الخلفاء بالحضرة قبله فاعتزم الأمير أبو زكريا على شأنه وخرج من تلمسان موريا بالصيد الذي كان ينتحله أيام قيامه بينهم ولحق بداود بن هلال بن عطاف أمير بني يعقوب وكافة بني عامر من زغبة أوعز عثمان بن يغمراسن إلى داود برده إليه فأبي من إخفار ذمته وارتحل معه بقومه إلى آخر بلاد زغبة ونزلوا على عطية بن سليمان بن سباع من رؤساء الزواودة فتلقاه بالطاعة وارتحلوا جميعا إلى ضواحي قسنطينة فدخل العرب سدويكش في طاعته.ونزل البلد سنة ثلاث وثمانين وستمائة وعاملها يومئذ أبو نوفيان من مشيخة الموحدين وكان صاحب بجاية بها أبو الحسن بن طفيل كان له من العامل صهر فداخل الأمير أبا زكريا في شأن البلد وشرط لنفسه وصهره فأمضى السلطان شرطهم وأمكنوه من البلد وأقاموا به دعوته وارتحل إلى بجاية وكان قد حدث فيها اضطراب بين أهلها أدى إلى الخلاف والتباين واستحثوا الأمير أبا زكريا فأغذ السير إليهم ودخلها سنة أربع وثمانين وستمائة ويقال إن ملكه ببجاية كان سابقا على ملكه بقسنطينة وهو الأصح فيما سمعناه من شيوخنا وبعث إليهم أهل الجزائر بطاعتهم فاستولى على هذه الثغور القريبة وتلقب المنتخب لإحياء دين الله وأغفل ذكر أمير المؤمنين أدبا مع عمه الخليفة بالحضرة حيث مالأ الموحدين أهل الحل والعقد من الجماعة ونصب للحجابة أبا الحسين بن سيد الناس فقام بها ورسخ ملكه وملك بنيه بهذه الناحية الغربية وانقسمت به الدولة إلى أن خلص الأمر للملوك من عقبه واستولوا على الحضرة كما نذكره إن شاء الله تعالى والله ولي التوفيق.
|